إدارة الدراسات الإسلامية
EN ع

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة الخدم

فيما يلي مقتطفات من هديه صلى الله عليه وسلم في معاملة الخدم ، فقد كان  صلى الله عليه وسلم خير النّاس في معاملة الخدم. يقول خادمه أنس رضي الله عنه:  فخدمته في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا، ولا لشيءٍ لم أصنعه لِمَ لم تصنع هذا هكذا .  رواه البخاري .
قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما:  جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كم أعفو عن الخادم؟ فصمت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: يا رسول الله! كم أعفو عن الخادم ؟ فقال : كل يوم سبعين مرة . رواه الترمذي    ولا يجوز بخس الخادم راتبه ولا تأخيره عنه فإنّ ذلك حق له وأمانة لدى مخدومه. يقول الله تعالى:  إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: 58]، فهضم حقه مخالفة ومعصية لربّ السماوات والأرض. وليحذر الإنسان أن يكون خصمه الله يوم القيامة إن لم يوف الأجير أجره، فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره .

الإنفاق على الخادم

    حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإنفاق على الخادم لأنّه قريب ويرجى أن تكون هذه الصدقة ذات أثر طيب في نفسه تجاه مخدومه، فإنّه ما جاء من بلده وتغرب إلاّ ليكسب رزقا حلالا يعيل به نفسه وغيره. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقال رجل : عندي دينار. قال: أنفقه على نفسك. قال: عندي آخر. قال: أنفقه على زوجتك. قال: عندي آخر. قال: أنفقه على خادمك، ثم أنت أبصر   رواه البخاري . 
ومن حقوق الخادم كذلك أن لا يكلف من الأعمال ما هو فوق طاقته أو خارج مسؤلياته اتفاقاً أو عرفاً. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلاّ ما يطيق ,  رواه مسلم . فإذا كان العبد المملوك لا يكلف إلاّ ما يطيق فالخادم الحر أولى. فإن كان هناك من عمل لابد منه فليعنه مخدومه فيحمل عنه ما هو فوق طاقته. عن أبي ذر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:  ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم   . متفق عليه 

عدم إهانته أو ضربه

ومن حسن معاملة الخادم عدم إهانته أو ضربه. روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال:  أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين  رواه أحمد .وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمد يده على أحد إلاّ في جهاد، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:  ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلاّ أن يجاهد في سبيل الله   رواه مسلم .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي بذلك، فعن أبي أمامة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقبل ومعه غلامان فوهب أحدهما لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال:  لا تضربه؛ فإنّي نهيت عن ضرب أهل الصلاة، وإنّي رأيته يصلي منذ أقبلنا   رواه البخاري . كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بالرفق بالخادم لشفقته عليهما، فعلى الخادم لتحسن معاملته، وعلى أصحابه كي لا يحتملوا إثماً. فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال:  كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً: اعلم أبا مسعود! لله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت : يا رسول الله ! هو حرٌ لوجه الله. فقال: أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار   رواه مسلم . والله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أشد المنكر أن بعض النّاس يتعمد ضرب الخادم على الوجه وفي ذلك ما فيه من الإهانة، وهو بذلك يخالف أمر نبيه صلى الله عليه وسلم الذي قال:  لا يَسِمَن أحدٌ الوجه ولا يضربنه رواه البخاري .

  مشاركة الخادم لأهل البيت في الأكل

إنّ كون الخادم أقل منزلة اجتماعية من مخدومه لا يستوجب أن يكون طعامه أقل مستوى منه، بل إنّ هذه منازل قدرها الله تعالى على العباد في هذه الحياة الدنيا. لذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على إشباع هذه الحاجة لدى الخادم، فعن أبي ذر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:  إنّ إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم   متفق عليه .
قال الحافظ ابن حجر:  أي: العبيد والخدم فإذا كان الخادم  طباخ  يطبخ لأهل البيت فعليهم أن يسمحوا له أن يأكل من طبخه، فإنّه قد شم رائحة هذا الأكل ورآه فتاقت نفسه إليه . فقد سئل جابر رضي الله عنه عن خادم الرجل إذا كفاه المشقة والحر فقال:  أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعوه فإن كره أحدٌ أن يطعم معه فليطعمه أكلة في يده     رواه أحمد . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يُجلسه معه فليناوله لُقمة أو لُقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنّه ولي علاجه   متفق عليه . ثم إنّ إطعام الخادم صدقةٌ، كإطعام النفس والزوجة والولد. فعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أنّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:  ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة   رواه أحمد .

 
الختم على الخادم

 وقد كان من هدي السلف أن يعينوا الخدم على أنفسهم فلا يتركون أموالهم هملاً، فقد يشجع ذلك الخادم على السرقة وخيانة الأمانة. فإذا حفظ أهل البيت أموالهم وحليهم عن أن تصل إليها أيدي الخدم فإنّ ذلك من صالح الخدم من ناحيتين: الأولى: أنّهم يصانون من ذنب السرقة.  والثانية: أنّه إذا فقد شيء منها لا يظن بهم ظن السوء. عن أبي العالية  قال:  كنا نؤمر أن نختم على الخادم، ونكيل، ونعدها، كراهية أن يتعودوا خلق سوء، أو يظن أحدنا ظن سوء .  رواه البخاري .
قال الجيلاني:  لأن قلوبنا بالختم والكيل والعد تطمئن بالحفظ، وينحسم طمع العبيد والخدم فلا يجترئون على السرقة والخيانة، فهم يصانون عن ذنب، ونحن نصان عن سوء الظن بهم .  وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يعد قطعات اللحم لما كان خادمه يجيء من السوق، فلما جلس للطعام كان يأمر خادمه بالجلوس معه، فسئل مرة: أنّك تعد قطعات اللحم إذا جاء بها الخادم ثم لا تدعه حتى يأكل معك! فقال:  ذلك أنقى للصدر، فلا يذهب الوهم إلى أنه أخذ منه شيئا .وعن سلمان رضي الله عنه قال: "إني لأعد العُراق على خادمي مخافة الظن"، أي مخافة أن أسيء الظن به. والعُراق هو العظم الذي أُكِل لحمه.  رواه البخاري .

الدعاء للخادم  لا الدعاء عليه!

  نهانا رسولنا  صلى الله عليه وسلم عن أن ندعو على أنفسنا أو ما رزقنا الله من الولد والخدم والمال فقال صلى الله عليه وسلم:  لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم رواه أبو داود .وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  لخادمه أنس، يقول أنس رضي الله عنه:  فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلاّ دعا لي به، قال: اللّهم ارزقه مالا وولدا وبارك له فيه  متفق عليه . وقد سقي صلى الله عليه وسلم مرة فدعا لمن سقاه فقال:  اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني  رواه مسلم .قال النووي رحمه الله: فيه الدعاء للمحسن والخادم .

وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية - إدارة الدراسات الإسلامية